عشم إبليس في الجنة .... مقال الاستاذ فهمى هويدى بتاريخ الأربعاء 22 رمضان 1431 – 1 سبتمبر 2010 _ صحيفة الشرق القطريه
العبط أن تصدق أن الحكومة لم تكف عن تزوير الانتخابات طوال الأعوام الثلاثين الأخيرة،
والاستعباط أن تدرك هذه الحقيقة، ومع ذلك تطالبها بأن تضمن نزاهة الانتخابات في العام الواحد والثلاثين.
كان ذلك تعليقي حين قرأت ما نشرته الصحف صبيحة الأحد الماضي «29/8» عن اجتماع ممثل ائتلاف الأحزاب المصرية مع الأمين العام للحزب الوطني الحاكم، الذي تسلم فيه الأخير ملفا بمقترحات الأحزاب لضمان نزاهة وشفافية الانتخابات التشريعية التي يفترض أن تتم في شهر نوفمبر القادم.
ولم يكن الموضوع وحده المسكون بالمفارقة، وإنما كانت هناك مفارقة أخرى تمثلت في طرفي اللقاء، من حمل الملف ومن تسلمه، ذلك أن الأحزاب الأربعة التي توافقت على 14 مطلبا لتوفير النزاهة والشفافية (الوفد والتجمع والناصري والجبهة الديمقراطية)، كلفت رئيس حزب التجمع بتسليم ملف المطالب إلى الأمين العام للحزب الوطني.
وكل منهما يعرف الآخر ويفهمه جيدا، ليس فقط لأنهما شركاء في اللعبة، واحد من داخل الملعب والثاني من خارجه،
ولكن أيضا لأن الرجلين لهما خبرة طويلة بقواعد اللعبة ومقتضياتها. ولذلك استبعد تماما تصنيفهما في دائرة العبط، وأزعم أنهما إلى الاستعباط أقرب ــ سأشرح لك لماذا؟
فرئيس حزب التجمع أدرى بتواضع حدود حزبه، وهو أكثر من يعلم أنه لولا التزوير والتعيين لما كان للحزب وجود في أي مجلس منتخب.
استثنى من ذلك حالات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة تم فيها انتخاب بعض المنسوبين للحزب لأسباب عائلية لا علاقة لها بمشروع الحزب وبرنامجه.
أما مستلم الرسالة، أمين الحزب الوطني، فهو أيضا أكثر من يعلم بأنه لولا التزوير لما قامت لحزبه قائمة، ولما حصل على الأغلبية في مجلس الشعب (تجربة انتخابات عام 2005 دليل على ذلك)،
وأن الذين صوتوا لصالحه أعطوه أصواتهم لأنه حزب الحكومة، وليس لأنه صاحب برنامج.
بكلام آخر فأوراق الرجلين مكشوفة لدى كل منهما. وهما يعرفان جيدا أنهما يقومان بتمثيلية لإحسان إخراج المشهد الديمقراطي، بما يبيض وجه الحكومة ويشي بسعة صدرها وتسامحها.
من ناحية أخرى، فإنني أنزه ممثلي الأحزاب الأربعة «المؤتلفة» أن يكونوا من أهل العبط، ولست أشك في أنهم يدركون أن أملهم في إجراء انتخابات حرة ونزيهة لا يختلف كثيرا عن عشم إبليس في الجنة، بمعنى أنه عين المستحيل،
ولذلك فأرجح أنهم استعبطوا بدورهم ووجهوا تلك الطلبات لإيهام الرأي العام بأنهم يفعلون شيئا، باعتبار أن تقاليد البيروقراطية المصرية تعتبر أن أهم شيء في توجيه المطالب هو ملء «الاستمارة»، وبعد تقديمها يرتاح المرء ويخيل إليه أن طلبه أنجز، وقد يستغرق الإنجاز سنوات. وقد لا ينجز في نهاية المطاف، لكن المهم أن الاستمارة ملئت وقدمت. وهذا بالضبط ما فعله ممثلو الأحزاب.
هناك احتمال آخر أقل براءة لا أستبعده، وهو أن توجيه تلك الطلبات مقدمة لعقد صفقات تحت الطاولة، بمقتضاها يتم إرضاء تلك الأحزاب بتوزيع ما تيسر من المقاعد عليهم في المجلس النيابي القادم. مكافأة لها على أنها عملت على سحب البساط من تحت الجمعية الوطنية للتغيير.
لن أتحدث الآن عن مضمون المطالب الأربعة عشر، لأن لدي سؤالا أهم هو:
ماذا سيحدث لو أن الحكومة لم تأبه بالطلبات وسار كل شيء كما خطط له ودبر؟
ــ لا أرى في الأفق إجابة، لكنني أعرف أن الحقوق تنتزع ولا توهب. وأن نظامنا الذي اعتمد على تزوير الانتخابات طوال ثلاثين عاما لن يتخلى عن مسلكه إلا إذا تعرض لضغط من جانب القوى السياسية الفاعلة ليضطره إلى العدول عن ذلك المسلك.
وقد كانت الحكومة أكثر دهاء حين عملت منذ اللحظات الأولى على إضعاف الأحزاب واصطناعها، وتفريغ العمل الأهلي من مضمونه أو إحكام السيطرة عليه لإخصاء المجتمع وشل قدرته على الحركة وممارسة أي ضغط.
لا مجال للتفاؤل بموقف الحكومة، ولا برد فعل الأحزاب المؤتلفة التي تعرف أنها أعجز من أن تمارس ضغطا مؤثرا للاستجابة لمطالبها.
لكن الحكومة إذا كانت مطمئنة إلى عجز الأحزاب وقلة حيلتها فإنها لن تستطيع أن تتجنب ما هو أسوأ، حين يتضاعف سخط الناس وغضبهم بما قد يؤدي إلى الانفجار في نهاية المطاف.
..........................
العبط أن تصدق أن الحكومة لم تكف عن تزوير الانتخابات طوال الأعوام الثلاثين الأخيرة،
والاستعباط أن تدرك هذه الحقيقة، ومع ذلك تطالبها بأن تضمن نزاهة الانتخابات في العام الواحد والثلاثين.
كان ذلك تعليقي حين قرأت ما نشرته الصحف صبيحة الأحد الماضي «29/8» عن اجتماع ممثل ائتلاف الأحزاب المصرية مع الأمين العام للحزب الوطني الحاكم، الذي تسلم فيه الأخير ملفا بمقترحات الأحزاب لضمان نزاهة وشفافية الانتخابات التشريعية التي يفترض أن تتم في شهر نوفمبر القادم.
ولم يكن الموضوع وحده المسكون بالمفارقة، وإنما كانت هناك مفارقة أخرى تمثلت في طرفي اللقاء، من حمل الملف ومن تسلمه، ذلك أن الأحزاب الأربعة التي توافقت على 14 مطلبا لتوفير النزاهة والشفافية (الوفد والتجمع والناصري والجبهة الديمقراطية)، كلفت رئيس حزب التجمع بتسليم ملف المطالب إلى الأمين العام للحزب الوطني.
وكل منهما يعرف الآخر ويفهمه جيدا، ليس فقط لأنهما شركاء في اللعبة، واحد من داخل الملعب والثاني من خارجه،
ولكن أيضا لأن الرجلين لهما خبرة طويلة بقواعد اللعبة ومقتضياتها. ولذلك استبعد تماما تصنيفهما في دائرة العبط، وأزعم أنهما إلى الاستعباط أقرب ــ سأشرح لك لماذا؟
فرئيس حزب التجمع أدرى بتواضع حدود حزبه، وهو أكثر من يعلم أنه لولا التزوير والتعيين لما كان للحزب وجود في أي مجلس منتخب.
استثنى من ذلك حالات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة تم فيها انتخاب بعض المنسوبين للحزب لأسباب عائلية لا علاقة لها بمشروع الحزب وبرنامجه.
أما مستلم الرسالة، أمين الحزب الوطني، فهو أيضا أكثر من يعلم بأنه لولا التزوير لما قامت لحزبه قائمة، ولما حصل على الأغلبية في مجلس الشعب (تجربة انتخابات عام 2005 دليل على ذلك)،
وأن الذين صوتوا لصالحه أعطوه أصواتهم لأنه حزب الحكومة، وليس لأنه صاحب برنامج.
بكلام آخر فأوراق الرجلين مكشوفة لدى كل منهما. وهما يعرفان جيدا أنهما يقومان بتمثيلية لإحسان إخراج المشهد الديمقراطي، بما يبيض وجه الحكومة ويشي بسعة صدرها وتسامحها.
من ناحية أخرى، فإنني أنزه ممثلي الأحزاب الأربعة «المؤتلفة» أن يكونوا من أهل العبط، ولست أشك في أنهم يدركون أن أملهم في إجراء انتخابات حرة ونزيهة لا يختلف كثيرا عن عشم إبليس في الجنة، بمعنى أنه عين المستحيل،
ولذلك فأرجح أنهم استعبطوا بدورهم ووجهوا تلك الطلبات لإيهام الرأي العام بأنهم يفعلون شيئا، باعتبار أن تقاليد البيروقراطية المصرية تعتبر أن أهم شيء في توجيه المطالب هو ملء «الاستمارة»، وبعد تقديمها يرتاح المرء ويخيل إليه أن طلبه أنجز، وقد يستغرق الإنجاز سنوات. وقد لا ينجز في نهاية المطاف، لكن المهم أن الاستمارة ملئت وقدمت. وهذا بالضبط ما فعله ممثلو الأحزاب.
هناك احتمال آخر أقل براءة لا أستبعده، وهو أن توجيه تلك الطلبات مقدمة لعقد صفقات تحت الطاولة، بمقتضاها يتم إرضاء تلك الأحزاب بتوزيع ما تيسر من المقاعد عليهم في المجلس النيابي القادم. مكافأة لها على أنها عملت على سحب البساط من تحت الجمعية الوطنية للتغيير.
لن أتحدث الآن عن مضمون المطالب الأربعة عشر، لأن لدي سؤالا أهم هو:
ماذا سيحدث لو أن الحكومة لم تأبه بالطلبات وسار كل شيء كما خطط له ودبر؟
ــ لا أرى في الأفق إجابة، لكنني أعرف أن الحقوق تنتزع ولا توهب. وأن نظامنا الذي اعتمد على تزوير الانتخابات طوال ثلاثين عاما لن يتخلى عن مسلكه إلا إذا تعرض لضغط من جانب القوى السياسية الفاعلة ليضطره إلى العدول عن ذلك المسلك.
وقد كانت الحكومة أكثر دهاء حين عملت منذ اللحظات الأولى على إضعاف الأحزاب واصطناعها، وتفريغ العمل الأهلي من مضمونه أو إحكام السيطرة عليه لإخصاء المجتمع وشل قدرته على الحركة وممارسة أي ضغط.
لا مجال للتفاؤل بموقف الحكومة، ولا برد فعل الأحزاب المؤتلفة التي تعرف أنها أعجز من أن تمارس ضغطا مؤثرا للاستجابة لمطالبها.
لكن الحكومة إذا كانت مطمئنة إلى عجز الأحزاب وقلة حيلتها فإنها لن تستطيع أن تتجنب ما هو أسوأ، حين يتضاعف سخط الناس وغضبهم بما قد يؤدي إلى الانفجار في نهاية المطاف.
..........................
0 اللى شرفونا بتعليقهم:
إرسال تعليق